1- أنّ كثرة الزّيارة خروج عن الأصل الذي أُمرنا به.
فقد روى أحمد والترمذي عن عقبةَ بنِ عامِرٍ رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، مَا النَّجَاةُ ؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: (( أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ )).
وهذه الوصيّة كانت في زمن الطيّبين الأطهار، فكيف بزمن غيرهم ؟! زمنٌ أمر النّبي صلّى الله عليه وسلّم فيه بأن نكون أحلاسَ بيوتنا.
فقد روى أحمد وأبو داود عن أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( إِنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي )) قالوا: فمَا تَأْمُرُنَا ؟ قال: (( كُونُوا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُمْ )).
2- في كثرة الزّيارة بعدٌ عن تعليم الأهل ما ينبغي لهم أن يتعلّموه:
وهذا من أعظم المفاسد، وهو من الغشّ لهم، فالمسلم راعٍ في بيته وهو مسئول عن رعيّته، وقد روى البخاري ومسلم عن معقِل بن يسَارٍ رضي الله عنه قال: قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ )).
3- أنّها مضيعةٌ للوقت الّذي أُمِرْنا بالمحافظة عليه:
وإنّ أقواما لكثرة الزّيارة صار يتسامح في حزبه من القرآن !
4- أنّ فيها أذى لغيرنا:
وقد قال تبارك وتعالى:{إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقّ} [الأحزاب: من الآية53].
5- أنّ فيها إذهابا للأنس بالله عزّ وجلّ:
فإذا كان غالب جلوسه مع النّاس فمتى يأنس بالله تعالى ؟!
ويروي لنا الإمام ابن الجوزي رحمه الله في "لفتة الكبد":" أنّ قوما أتوا رجلا من الصّالحين، فقالوا: لعلّنا شغلناك ! فقال لهم: نعم، كنت أقرأ القرآن فشغلتموني".
وقيل لمالك بن مغول - أحد العبّاد العلماء من رجال الستّة -: ألا تستوحش ؟! فقال: وكيف يستوحش من كان الله جليسه ؟!
وقال مالك بن دينار: من لم يأنس بمحادثة الله تعالى عن عباده فقد قلّ علمه، وضعف رأيه، وعمِي قلبه، وضاع زمانه.
الأنس بالله لا يحويه بطّـال *** ولا يدركه بالحول محتال
والعارفون أناس كلّهم نُجُبٌ *** وكلّهم صفـوة لله عمّال
وجاء رجل لسهل بن عبد الله التّستري فقال له: أريد أن أصاحبك. فقال: إذا مات أحدنا فمن سيكون صاحبه ؟ قال له: الله. قال: فليصحبه الآن.
جانب التّفريط:
ويقضي على التّفريط في زيارة الإخوان أحاديث طيّبة من مشكاة النبوّة في فضل زيارة الإخوان، منها:
- ما رواه مسلم وغيره عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
(( إنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ
قال: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ.
قال: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا ؟
قال: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللهِ عزّ وجلّ.
قال: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ: بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ )).
- ما رواه أحمد وغيره عن أبي إدْرِيسَ الخولانيِّ قال:
دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقِ الشَّامِ، فَإِذَا أَنَا بِفَتًى بَرَّاقِ الثَّنَايَا، وَإِذَا النَّاسُ حَوْلَهُ، إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوهُ إِلَيْهِ وَصَدَرُوا عَنْ رَأْيِهِ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيلَ: هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ هَجَّرْتُ، فَوَجَدْتُ قَدْ سَبَقَنِي بِالْهَجِيرِ، وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى إِذَا قَضَى صَلَاتَهُ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ:
وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ للهِ عزّ وجلّ.
فقال: أَاللَّهِ ؟ فقلت: أَاللَّهِ. فَقَالَ: أَاللَّهِ ؟ فَقُلْتُ: أَاللَّهِ.
فَأَخَذَ بِحُبْوَةِ رِدَائِي، فَجَبَذَنِي إِلَيْهِ، وَقَالَ: أَبْشِرْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
(( قالَ اللهُ عزّ وجلّ: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ )).
وتكون آداب الزّيارة عشرة كاملة، نأتي عليها لاحقا إن شاء الله.